Admin Admin
عدد المساهمات : 707 تاريخ التسجيل : 26/01/2009 العمر : 35
| موضوع: باب ذكر خلق الجان وقصة الشيطان الأحد مايو 31, 2009 10:28 am | |
| قال الله تعالى : خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأي آلاء ربكما تكذبان [ الرحمن : 14 - 16 ] . وقال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم [ الحجر : 26 - 27 ] . وقال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد من مارج من نار . قالوا : من طرف اللهب ، وفي رواية : من خالصه وأحسنه . وقد ذكرنا آنفا من طريق الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم . رواه مسلم . قال كثير من علماء التفسير : خلقت الجن قبل آدم عليه السلام ، وكان قبلهم في الأرض الحن والبن ، فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم ، وأجلوهم عنها وأبادوهم منها ، وسكنوها بعدهم بسبب ما أحدثوا . وذكر السدي في تفسيره عن أبي مالك ، عن [ ص: 129 ] أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن ، وإنما سموا الجن ; لأنهم خزان الجنة ، وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره : إنما أعطاني الله هذا لمزية لي على الملائكة . وذكر الضحاك ، عن ابن عباس : أن الجن لما أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء ، بعث الله إليهم إبليس ومعه جند من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم عن الأرض إلى جزائر البحور .
وقال محمد بن إسحاق ، عن خلاد ، عن عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس : كان اسم إبليس قبل أن يرتكب المعصية عزازيل ، وكان من سكان الأرض ، ومن أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، وكان من حي يقال لهم الجن . وروى ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير عنه : كان اسمه عزازيل ، وكان من أشرف الملائكة ، من أولي الأجنحة الأربعة . وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج قال ابن عباس : كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض . وقال صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس : كان يسوس ما بين السماء والأرض رواه [ ص: 130 ] ابن جرير . وقال قتادة ، عن سعيد بن المسيب كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا .
وقال الحسن البصري لم يكن من الملائكة طرفة عين ، وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل البشر . وقال شهر بن حوشب ، وغيره : كان إبليس من الجن الذين طردهم الملائكة ، فأسره بعضهم فذهب به إلى السماء . رواه ابن جرير قالوا : فلما أراد الله خلق آدم ليكون في الأرض هو وذريته من بعده ، وصور جثته منها جعل إبليس وهو رئيس الجان ، وأكثرهم عبادة إذ ذاك ، وكان اسمه عزازيل يطيف به . فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك . وقال : أما لئن سلطت عليك لأهلكنك ، ولئن سلطت علي لأعصينك ، فلما أن نفخ الله في آدم من روحه كما سيأتي وأمر الملائكة بالسجود له دخل إبليس منه حسد عظيم ، وامتنع من السجود له . وقال : أنا خير منه خلقتني من نار ، وخلقته من طين . فخالف الأمر ، واعترض على الرب عز وجل ، وأخطأ في قوله ، وابتعد من رحمة ربه ، وأنزل من مرتبته التي كان قد نالها بعبادته ، وكان قد تشبه بالملائكة ، ولم يكن من جنسهم ; لأنه مخلوق من نار ، وهم من نور فخانه طبعه في أحوج ما كان إليه ، ورجع إلى أصله الناري فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين [ ص : 73 - 74 ] . وقال تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا [ الكهف : 50 ] .
[ ص: 131 ] فأهبط إبليس من الملأ الأعلى ، وحرم عليه قدرا أن يسكنه ، فنزل إلى الأرض حقيرا ذليلا مذءوما مدحورا متوعدا بالنار هو ومن اتبعه من الجن والإنس ، إلا أنه مع ذلك جاهد كل الجهد على إضلال بني آدم بكل طريق وبكل مرصد ، كما قال : أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا [ الإسراء : 62 - 65 ] .
وسنذكر القصة مستفاضة عند ذكر خلق آدم عليه السلام ، والمقصود أن الجان خلقوا من النار ، وهم كبني آدم يأكلون ويشربون ويتناسلون ، ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون كما أخبر تعالى عنهم في سورة الجن ، وفي قوله تعالى : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين [ الأحقاف : 29 - 32 ] . [ ص: 132 ] وقال تعالى : قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا [ الجن : 1 - 17 ] .
وقد ذكرنا تفسير هذه السورة ، وتمام القصة في آخر سورة " الأحقاف " وذكرنا الأحاديث المتعلقة بذلك هنالك ، وأن هؤلاء النفر كانوا من جن نصيبين ، وفي بعض الآثار من جن بصرى ، وأنهم مروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي بأصحابه ببطن نخلة من أرض مكة فوقفوا فاستمعوا لقراءته ، ثم اجتمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة فسألوه عن أشياء أمرهم بها ونهاهم عنها ، وسألوه الزاد فقال : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما [ ص: 133 ] يكون لحما ، وكل روثة علف لدوابكم ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بهما . وقال : إنهما زاد إخوانكم الجن . ونهى عن البول في السرب ; لأنها مساكن الجن ، وقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة " الرحمن " فما جعل يمر فيها بآية : فبأي آلاء ربكما تكذبان . إلا قالوا : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد . وقد أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لما قرأ هذه السورة على الناس فسكتوا فقال : الجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد . رواه الترمذي ، عن جابر ، وابن جرير ، والبزار ، عن ابن عمر .
وقد اختلف العلماء في مؤمني الجن هل يدخلون الجنة أو يكون جزاء طائعهم أن لا يعذب بالنار فقط ؟ على قولين ; الصحيح : أنهم يدخلون الجنة لعموم القرآن ، ولعموم قوله تعالى : ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان [ الرحمن : 46 - 47 ] . [ ص: 134 ] فامتن تعالى عليهم بذلك فلولا أنهم ينالونه لما ذكره ، وعده عليهم من النعم ، وهذا وحده دليل مستقل كاف في المسألة ، والله أعلم .
وقال البخاري : حدثنا قتيبة ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه : أن أبا سعيد الخدري قال له إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك ، وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة . قال : أبو سعيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . انفرد به البخاري دون مسلم .
وأما كافرو الجن ; فمنهم الشياطين ، ومقدمهم الأكبر إبليس عدو آدم أبي البشر ، وقد سلطه هو وذريته على آدم وذريته ، وتكفل الله عز وجل بعصمة من آمن به وصدق رسله ، واتبع شرعه منهم ، كما قال : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا [ الإسراء : 65 ] . وقال تعالى : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ [ سبأ : 20 - 21 ] . وقال تعالى : يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون [ الأعراف : 27 ] . [ ص: 135 ] وقال : وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم [ الحجر : 28 - 44 ] | |
|